يرثي المؤسس الشيخ جاسـم بـن محمـد في هـذا البيت ابنه الشهيد الشيخ جوعان رحمهما الله تعالى، فيختـزل في وصفـه جيـلا كامـلا مـن شـباب هـذا البلـد العزيز في مرحلـة التأسيس ويعطـي لمحـة عـن حقيقـة جيـل مـن الشباب نشأ على الأخلاق والعلم وتربت على السعي لنيـل المعـالي في سبيل الوطـن والأهـل ولـو كان ثمـن ذلـك التضحيـة بأغـلى مـا يمتلكـون، حيـث كانـت التحديـات التـي واجهوهـا عظيمة ومنهـا الحادثـة التـي خلـدت في وجـدان القطريين جيـلاً بعـد جيـل حـتـى صـارت علامـة عـلى صـدق مـا عاهـد الشـباب أنفسهم عليـه.
لقـد حبـا اللـه قطـر وأهلهـا عـلى مـر تاريخهـا مـن الـثروات الطبيعيـة مـا وفـر لهـم الرفاه والعيش الكريـم،. فوهبها أغلـب وأجـود مغاصـات اللؤلـؤ “الهـيرات” في مياههـا الإقليميـة، كـما حبـا برهـا بالعشـب والـروض، وأنعـم عليهـا بالنفـط والغـاز. ومـا زادتهـم نـعـم اللـه تلـك إلا حمـدا وشكرا وتواضعـا.
ولأن التحديـات سنة مـن سنن اللـه في الكـون ، فـإن القطريين كانوا دائما متأهبين لتحديات الحياة المختلفـة مـن كـوارث طبيعيـة مـرت عليهـم كسنة الطبعـة وسـنة الرحمة أو التحديات الاقتصادية ككسـاد اللؤلؤ، وكذلك التحديات العسكرية والأمنيـة مـن مسـيمير عـام 1851 وحتـى حصـار قطـر عـام 2017 ، تحديات كلهـا ارتبطت بعامـل مشـترك عـبر الأجيـال المتعاقبـة ألا وهـو استعداد القطريين التام وبالأخـص الشباب لمواجهتهـا بسـلاحين وهـما الأخـلاق والعلـم قبـل أي شيء آخـر.
يسجل فجـر السابع عـشـر مـن رمضـان الذي يصادف 28 مايو عام 1888 شهادة تاريخية على هذه التحديات.
ففـي مسجد الشيخ علي بن جاسـم (جوعـان) في القصر الشرقـي “متحـف قطـر الوطنـي الآن ” وبينـما كان يـؤم الصـلاة ويصطـف خلفـه بعـض مـن بقـوا لحمايـة البـلاد حيـث كان معظـم القطريين في مؤسـم الغـوص الكبير ،تـرد الأخبـار عـن هجـوم مباغـت تتعـرض له الدوحة وضواحيهـا.
أنهـى الشيخ جوعـان صـلاة الفجـر وبصحبتـه عـدد قليـل مـن الفرسـان ، منطلقـين في أثـر الغـزاة الذيـن كانـوا قـد انسحبوا إلى روضـة الخيـل حيـث اشتبك القطريـون معهـم، وكان عددهـم أضعافا، فاستشهد الشيخ جوعان في ذلك الصباح بعـد أن أقسم على أن لا يثني رسـن فرسـه عنهـم، واستشهد معـه عـدد مـن خـيرة شباب الوطـن، وأصيـب عـدد آخـر بعـد أن سـطروا أروع أمثلـة الشجاعة والتضحيـة لوطنهـم.
كانـت هـذه الحادثـة عظيمـة عـلى القطريين وشكلت نقطة مهمة في طريـق تأسيس دولتنـا الحبيبـة.
وفي هذا البيـت يـرثي المؤسس الشيخ ” جاسم ” ابنه الشيخ جوعـان، معـددا مناقبـه، فقـد كان عـلى حداثـة سنه متحليـاً بالأخـلاق وطالبـا للعلـم وفارسـاً مقدامـاً في نيـل المعالي،وتلـك هـي القيـم التـي تـربى عليهـا في بيئته القطرية فكانـت لـه ولشباب مرحلـة التأسيس خير مدرسـة.
لقـدكان الشيخ جوعـان وجيلـه مـن الشـباب نموذجاً لشخصية الشباب القطـري إلى اليـوم، في اكتسابه للأخلاق والعلم والاستعداد للتضحية في سبيل وطنهم الغـالي قطـر ، متجاوزيـن كل التحديـات وصـولاً بالوطـن إلى طريـق المعـالي، ولـو كـانـت المعـالي كايـدة.