تواجـه الأمـم والمجتمعـات جميعـاً تحديـات صعبـة في فترات مختلفة من تاريخها، تختبر فيهـا صلابتهـا وقدرتهـا الكامنـة عـلى مواجهتهـا و تجتهـد عندهـا في إبـداع مـا يلبـي حاجياتهـا، والفارق الوحيـد بـين صمـود الأمـم وتقدمهـا أو بـين عجزهـا وتأخرهـا هـو في مدى توفـر الاستجابات التي تتجـاوز رد الفعـل السطحي لتحقـق المناعـة والعـزة.

والتحديات -بطبيعـة الحـال- هـي سر نهضـة الأمـم، ولولاهـا لمـا وجـدت الحضـارات ولمـا اسـتمرت دورتهـا، وليست قطـر وشعبها استثناء ولا بدعـاً في هـذه الحقيقـة عـلى مـر تاريخهـا المـشرف. لقـد واجـه كل جيـل في هـذا الوطـن الغـالي تحدياتـه بفضـل خصلتـين، أولاهـما الفعـال الحسـان التـي شـيدت هـذا الوطـن، وثانيتهـما المدافعـة الاستثنائية التـي حفظـت ترابـه وحمـت سـيادته منـذ انطلاقـة تأسيسـه وحتـى تسليم أمانتـه إلى الأجيال المتعاقبـة.

ومـن هنـا، يشير المؤسـس . رحمـه اللـه ـ في صـدر بيـت شـعري : ” فيـا طالمـا قـد زينتهـا افعالنـا ” إلى خصلـة جوهريـة تحـلـى بهـا الجيـل الأول، والتـي تقـوم عليهـا الأوطـان – وإن اختلفت الأزمنـة وتطاولـت- وهـي حسـن الأفعـال، وقـد وافـق ذلـك مـا أشـار إليـه اللـه جـل جلالـه في محكـم التنزيـل بجـلاء عنـد قولـه “تبارك الذي بيده الملك وهـو عـلى كل شيء قدير (1) الذي خلـق المـؤت والحياة ليبلوكم أيكـم أخسـن عمـلا وهـو العزيـز الغفـور”.

إن العمـل الصالـح الـذي يبنـي الأوطـان ويعـلي مـن شأنها يختلـف مـن عصر إلى عصر بحسب نمو احتياجاتها وعظـم متطلبـات أمنهـا القومي، وهـو شرط أساسي مـن شروط نهضتهـا. ونـحن اليـوم عـلى مفترق مرحلـة حاسمة في تاريـخ هـذا الوطـن الحـر، أول دروسـها المستخلصة هـو ضرورة أن يعمـل أبناؤهـا عـلى نحـت شخصية تعتمـد عـلى الذات في العلـم والصناعـة

والزراعـة وتنمية سائر مقومات نهضـة بلادهم التي لا تحتاج إلى العمل فحسب، ولكـن إلى إتقانه أيضاً؛ فحـب الأوطـان ترجمتـه الحقـة هـي حـسـن العمـل وإجادتـه. ولا يتوقـف العمـل الصالـح عنـد هـذا الحـد، بـل يمتـد إلى تحقيـق العـدل، والإخـلاص، ونبذ التعصـب، ومحاربة الفساد، وكلهـا عنـاصر العروة الوثقى، ألا وهـي الكرامة الإنسانية، وذلكـ هـو المعنى العميـق الرابـض في صـدر البيـت الـذي أشـار اليـه المؤسـس : “فيـا طالمـا قـد زينتهـا أفعالنـا”.

ويـؤدي العمـل الصالـح في زمـن المحـن والأزمات إلى التحلي بخصلـة المدافعـة التـي يشير إليهـا القـرآن الكريـم دون مواربـة : ” والذين إذا أصابهـم البغـي هم يشعرون (39) وجـزاء سيئة سيئة مثلها فمـن عفا وأصلح فأجـزه عـلـى اللـه إنـه لا يحـب الظالمـين”.

والنصر مرهـون بالمدافعـة، ويقـوم عـلى الإيمـان الراسـخ بـضرورة صـون الوطـن وحفـظ سيادته وإعـداد قوتـه السياسية والعسكرية والعلمية والاقتصاديـة والثقافيـة التـي تمـكـن مـن التصـدي لـكل طاغيـة وبـاغ تحدثه نفسه بالاعتـداء عـلى سـيادته ومقدراتـه، وكذلـك بـضرورة الـذود عنـه والتضحيـة بالمـال والنفـس لتبقـى رايتـه عاليـة خفاقـة، وبهـذا تصـان الأوطـان وبهـذا تحفـظ كرامتهـا.

وفي هـذه المرحلـة الحساسة وانطلاقـا مـن مناسـبة اليـوم الوطنـي، يؤكـد هـذا الجيـل المؤمـن بمـشروع وطنـه تمسـكه بهـذا الإرث العظيـم، وسـيره عـلى نهـج الألى، متوخياً جادتهـم وطريقهـم، ومـن ورائـه الجيـل القادم من الأبناء وجيـل الأحفاد -إن شاء الله-، وذلك بأفعـال تزيـن بلادنـا الحبيبـة قطـر، وتستجيب للتحديـات لتبقـى قطـر حـرة مـا دامـت قلـوب أهلهـا مـن مواطنين ومقيمين تنبـض عـزة وكرامـة.