أكتوبر 24, 2018

اطلاق شعار اليوم الوطني 2018

فيا طالما قد زينتها أفعالنا

المؤسس

قطر ستبقى حرة

تواجه الأمم والمجتمعات جميعاً تحديات صعبة في فترات مختلفة من تاريخها، تختبر فيها صلابتها وقدرتها الكامنة على مواجهتها و تجتهد عندها في إبداع ما يلبّي حاجياتها، والفارق الوحيد بين صمود الأمم وتقدّمها أو بين عجزها وتأخّرها هو في مدى توفّر الاستجابات التي تتجاوز ردّ الفعل السّطحي لتحقّق المناعة والعزّة.

والتحديات -بطبيعة الحال- هي سرّ نهضة الأمم، ولولاها لما وُجدت الحضارات ولما استمرّت دورتها، وليست قطر وشعبها استثناءً ولا بدعاً في هذه الحقيقة على مرِّ تاريخها المشرف.

لقد واجه كلُّ جيل في هذا الوطن الغالي تحدّياته بفضل خصلتين، أولاهما الفِعال الحِسان التي شيّدت هذا الوطن، وثانيتهما المدافعة الاستثنائية التي حفظت ترابه وحمت سيادته منذ انطلاقة تأسيسه وحتى تسليم أمانته إلى الأجيال المتعاقبة.

ومن هنا، يشير المؤسس ـ رحمه الله ـ في صدر بيت شعري : ” فيا طالما قد زينتها افعالنا ” إلى خصلة جوهريّة تحلّى بها الجيل الأول، والتي تقوم عليها الأوطان -وإن اختلفت الأزمنة وتطاولت- وهي حسن الأفعال، وقد وافق ذلك ما أشار إليه الله جل جلاله في محكم التنزيل بجلاء عند قوله “تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ”.

إن العمل الصالح الذي يبني الأوطان ويُعلي من شأنها يختلف من عصر إلى عصر بحسب نمو احتياجاتها وعِظم متطلبات أمنها القومي، وهو شرط أساسيٌّ من شروط نهضتها. ونـحن اليوم على مفترق مرحلة حاسمة في تاريخ هذا الوطن الحر، أول دروسها المستخلصَة هو ضرورة أن يعمل أبناؤها على نحت شخصيّة تعتمد على الذات في العلم والصناعة والزراعة وتنمية سائر مقوّمات نهضة بلادهم التي لا تحتاج إلى العمل فحسب، ولكن إلى إتقانه أيضاً؛ فحب الأوطان ترجمته الحقة هي حُسن العمل وإجادته.

ولا يتوقف العمل الصالح عند هذا الحد، بل يمتد إلى تحقيق العدل، والإخلاص، ونبذ التعصب، ومحاربة الفساد، وكلّها عناصرُ العروة الوثقى، ألا وهي الكرامة الإنسانيّة، وذلكم هو المعنى العميق الرابض في صدر البيت الذي أشار اليه المؤسس : “فيا طالما قد زينتها أفعالنا”.

ويؤدّي العمل الصّالح في زمن المحن والأزمات إلى التّحلّي بخصلة المدافعة التي يشير إليها القرآن الكريم دون مواربة : ” وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ”.

والنصر مرهون بالمدافعة، ويقوم على الإيمان الراسخ بضرورة صون الوطن وحفظ سيادته وإعداد قوته السياسية والعسكرية والعلمية والاقتصادية والثقافية التي تمكّن من التصدّي لكل طاغية وباغٍ تُحدِّثه نفسُه بالاعتداء على سيادته ومقدّراته، وكذلك بضرورة الذود عنه والتضحية بالمال والنفس لتبقى رايته عالية خفاقة، وبهذا تصان الأوطان وبهذا تُحفظ كرامتها.

وفي هذه المرحلة الحساسة وانطلاقا من مناسبة اليوم الوطني، يؤكد هذا الجيل المؤمن بمشروع وطنه تمسّكَه بهذا الإرث العظيم، وسَيْرَه على نهج الأُلى، متوخياً جادتهم وطريقهم، ومن ورائه الجيل القادم من الأبناء وجيل الأحفاد -إن شاء الله-، وذلك بأفعال تزيّن بلادنا الحبيبة قطر، وتستجيب للتحديات لتبقى قطر حرة ما دامت قلوب أهلها من مواطنين ومقيمين تنبض عزةً وكرامةً.